لم تكن مدينة اليوسفية، قبل اكتشاف الفوسفاط سوى جزء من الكنتور وسط منطقة أحمر. ارتبط وجودها و نشأتها باكتشاف الفوسفاط سنة 1929 على يد أحد الجيولوجيين الفرنسيين وأحد رموز الإستعمار الفرنسي (لويس جانتي) وبذلك قدر وكتب على هذه المدينة ان تحمل عقدا من الزمن اسم هذا الجيولوجي، بل ما يزال اللسان الشعبي المحلي يسمي المدينة باسمه، قبل أن تحمل في فجر الاستقلال اسم (اليوسفية) تيمنا باسم السلطان العلوي المولى يوسف.

    Luis Gentille                  

    ففي هضبة من هضاب الكنتور الغنية بالفوسفاط تتربع مدينة اليوسفية على مساحة تقدر بحوالي 34 كلم مربع، وصل عدد سكانها حسب إحصاء 1971 إلى 22435 نسمة، تم 42195 حسب إحصاء 1982، تم 64441 حسب إحصاء 1994، ليصل إلى 64518 حسب آخر إحصاء لسنة 2004.

    تبعد مدينة اليوسفية عن آسفي بحوالي 80 كلم، وعن مراكش بحوالي 100 كلم، وعن الجديدة بحوالي 127 كلم، وعن بنجرير بحوالي 60 كلم.

    من الناحية الجغرافية، هي عبارة عن منخفض يقع بين نجود وهضاب، تنعدم فيها الوديان والأنهار، مناخها قاري جاف مع حرارة مرتفعة مصحوبة برياح (الشركي) صيفا، وبرودة وأمطار غير منتظمة شتاء. فكان لهذا الموقع الجغرافي والمناخ، بالغ الأثر في حياة أهل (الكنتور).

    فقد ارتبطت نشأة اليوسفية، باكتشاف الفوسفاط، ومع تطور إنتاجه، عرفت المدينة رواجا اقتصاديا هاما، رافقه انفجار سكاني أدى إلى اتساع رقعة المدينة، فالكثافة السكانية للمدينة، جد هامة، فهي تمتل حوالي 2518 نسمة في كل كلم مربع، ويتألف سكان المدينة من مزيج سكاني جمعتهم ظروف العمل وحركة النشاط التجاري والوظيفي، فأغلبية الساكنة منحدرين من مناطق مجاورة، هاجرت إليها بداية قصد العمل بمناجم الفوسفاط، هروبا من بادية تتسم بالشح لافتقارها لأهم وسائل الإنتاج الفلاحية، ولعوامل طبيعية غير ملائمة، وهكذا فنسبة هامة من الهرم السكاني تتشكل من ساكنة أهل الكنتور، يليهم عمال وموظفين وأطر، قدموا من مختلف مدن المملكة للعمل، خاصة بالمجمع الشريف للفوسفاط، ومختلف مصالحه، إضافة إلى إدارات ومصالح أخرى.

    فمند اكتشاف الفوسفاط، والمدينة تعرف نموا اقتصاديا هاما، يلاحظ ذلك جليا في انتعاش المبادلات التجارية، ونشاط مقاولات البناء، والرواج المادي، الذي يلعب، المجمع الشريف للفوسفاط دورا هاما فيه.

    وعلى الرغم من أن المدينة لاتزال تشكو من النقص الحاصل على مستوى الربط بالشبكة الطرقية، الرابطة بينها وبين المدن القريبة، فإنها تعرف حركة داخلية مستمرة، خاصة على مستوى المحور الرابط بين مراكش وشيشاوة في اتجاه الدار البيضاء، وبين مراكش وشيشاوة، في اتجاه الجديدة عبر سيدي بنور، وبين مراكش وآسفي، عبر جمعة اسحيم.

    وتتوفر المدينة على خط سككي يربطها بآسفي ومراكش عبر بن جرير، ولها مكانة في إطار التقسيم الإداري للمملكة، فهي تلامس إقليم بن جرير، عاصمة الرحامنة، والمتوفر على أكبر احتياطي للفوسفاط بالمغرب، كما تلامس منطقة دكالة، الفلاحية، حيت معمل إنتاج السكر، ومنطقة عبدة الفلاحية بامتياز، مرورا بثلاثاء بوكدرة، حيت معامل تصنيع الأسمدة الفوسفاطية، كما تحيط بالمدينة، معامل هامة، كمعمل (برتيل) بايغود، ومعمل الإسمنت بالمزودية، إضافة إلى وجود بحيرة الملح بالشماعية البعيدة عن اليوسفية فقط بحوالي 20 كلم.

    وهي كلها عوامل تساعد و لاشك، في خلق منطقة صناعية، سيكون لها الأثر الإيجابي على جوانب اقتصادية و اجتماعية.

    فاقتصاد المدينة بني مند البدء على استخراج مادة الفوسفاط، وهو ما حال دون انتعاش قطاعات أخرى حيوية، كالصناعة والصناعة التقليدية، والفلاحة، وهو ما حال أيضا، دون تحقيق تنمية محلية شاملة ومستدامة، تراعي الإنسان والبيئة.

    هذه الهيمنة للقطاع المنجمي، نتج عنها، إذا صح القول، تنمية مشوهة ومعاقة، وغير متكافئة، على المستويات الاقتصادية والاجتماعية وحتى المعمارية.

    وقد لعب المستعمر الفرنسي دورا هاما في وضع الحجر الأساس لهذا الواقع، على اعتبار أن همه كان متجها صوب استنزاف واستغلال خيرات المدينة، وفي وقت وجيز، غير آبه بوضع استراتيجيات اقتصادية واجتماعية وعمرانية ، تخدم المدينة على المدى القريب و البعيد.

    غير أن الزيارة الملكية الميمونة لمدينة اليوسفية سنة 2008، و التي انتظرتها الساكنة بشوق كبير، و خصصت لها استقبالا غير مسبوق بالرغم من الجو الماطر يومها، كان لها بالغ الأثر في النفوس، حيت تعد ثاني زيارة لملوك الدولة العلوية الشريفة لهذه الربوع، بعد الزيارة التي قام بها السلطان محمد الخامس، تغمده الله بواسع رحمته.

    وبالنظر إلى المشاريع التي وضع جلالة الملك محمد السادس، حجرها الأساس، والتي جعلت من المدينة ورشا هاما وكبيرا بامتياز، مما بدا معه وجه المدينة في التحول نحو الأفضل.

    ومع إعلان المدينة، عمالة في إطار التقسيم الإداري الأخير للمملكة سنة 2010، وهو ما سينعكس إيجابا على مدينة اليوسفية، كأول مدينة من حيت عدد السكان والمساحة بالإقليم، خاصة إدا علمنا ان مدينة آسفي عاصمة الإقليم سابقا قد عرفت انتعاشا اقتصاديا واجتماعيا، على حساب مدينة اليوسفية.

    ويلعب المجمع الشريف للفوسفاط، دورا هاما وحيوي بالمدينة، فهو الشريك الأول والأساسي للجماعة، ودالك بالنظر الى عدد الأوراش المفتوحة، والمشاريع المنجزة، والتي تظل غير كافية، ودون تحقيق انتظارات المواطن اليوسفي، في ظل غياب منطقة صناعية، قادرة على امتصاص أكبر عدد ممكن من اليد العاملة المعطلة.

    ونحن نتحدث عن اليوسفية كمدينة فوسفاطية بامتياز، لا يفوتنا الحديث عن الجانب الرياضي، والدي عرف أوجهه الذهبي خلال سنوات، خاصة حين الحديث عن رياضة (الجمباز، الكرة المستطيلة، الكرة الطائرة، السباحة …..) ولا أحد من جيل الثمانينات ينسى أو يتناسى الغواتي نعيمة، النظيفي كريمة، اوداني سعاد …….، والدين عرفوا بمدينة اليوسفية على المستويين الوطني والدولي، ودالك بإحرازهم على مراكز الصدارة في العديد من التظاهرات الرياضية، لكن الواقع الحالي بالمدينة اليوم، يرتي حال العديد من الرياضات والتي عرفت تراجعات خطيرة، في ظل غياب رؤيا شمولية ومندمجة، تجمع كافة المتدخلين والشركاء، لإعادة الروح إلى مختلف ملاعب اليوسفية.

    وحين الحديث عن الجانب الثقافي، والذي عرف ويعرف، إشعاعا ولو كان غير معلوم لدى الشريحة الواسعة من سكان المدينة، إلا أن الساحة الثقافية بالمدينة عرفت تألق العديد من الوجوه، والتي لم يشأ لها الاستقرار والعيش بالمدينة، وذلك هو حال المدن المنجمية والتي تعرف للأسف هجرة النخب المثقفة، فلا أحد من متتبعي الشأن الثقافي بالمدينة، أو حتى خارج المدينة يخلو باله من صاحب الكلمات المتقاطعة أبو سلمى، الأستاذ وساط.